الذكر وحلاوته

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الأخوة:
يقول صلي الله عليه وسلم: ((ألا أنبئكم بخير أعمالكم -خير اسم تفضيل- وأزكاها عند مليككم, وأرفعها[/b] في درجاتكم, وخير لكم من إعطاء الذهب والورق, وأن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم, ويضربوا أعناقكم, قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: ذكر الله عز وجل))
[أخرجه الحاكم في مستدركه عن أبي الدرداء]
أيها الأخوة, ذكر الله كلمة شاملة واسعة؛ إن قرأت القرآن, فأنت ذاكر لله, وإن استغفرت الله, فأنت ذاكر لله, وإن سبحته, فأنت ذاكر له, وإن حمدته فأنت ذاكر له, وإن كبرته فأنت ذاكر له, وإن وحدته فأنت ذاكر له, وإن دعوته فأنت ذاكر له, وإن قرأت سنة نبيه فأنت ذاكر له, وإن تلوت على الناس سير الصحابة الكرام فأنت ذاكر له, -يعني- أي نشاط يقربك من الله عز وجل, فهو ذكر له.
((ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم, وأرفعها في درجاتكم, وخير لكم من إعطاء الذهب والورق, وأن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم, ويضربوا أعناقكم, قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: ذكر الله عز وجل))
[أخرجه الحاكم في مستدركه عن أبي الدرداء]
الآية الكريمة:
﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾
[سورة العنكبوت الآية:45]
قال بعض العلماء: ((ذكر الله: أكبر شيء في الصلاة))؛ لأن الله عز وجل يقول:
﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾
[سورة طه الآية:14]
-يعني- علة إقامة الصلاة: أن تذكر الله, وفي آية أخرى:
﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾
[سورة البقرة الآية:152]
بعض العلماء قال:
﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾
[سورة العنكبوت الآية:45]
بعضهم قال: ((ذكر الله لك أيها المؤمن, أكبر من ذكرك له))؛ بمعنى: أنك إذا ذكرته استعنت به, أما إذا ذكرك أعطاك كل شيء.
ورد في الأثر القدسي: ((أنا جليس من ذكرني, وحيثما التمسني عبدي وجدني)).
والمؤمن: إذا أكثر من ذكر الله, برىء من النفاق؛ لأن المنافقين وصفوا: (بأنهم لا يذكرون الله إلا قليلاً).
-يعني- في أقوال لبعض العلماء (حول الذكر), قال: في قوله تعالى:
﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾
[سورة البقرة الآية:152]
-يعني- (اذكروني على وجه الأرض, أذكركم في بطن الأرض).
-يعني- أنت في الدنيا, ممكن أن تأنس بالناس؛ بزوجتك, بأولادك, بأقربائك, بمن حولك, ولك –يعني- مكانة اجتماعية, عندك طلاقة لسان, الناس حولك متحلقون؛ إن ذكرت الله, وأنت على وجه الأرض, ذكرك الله, وأنت في بطن الأرض؛ في بيت الوحشة, في بيت الدود, في بيت الظلمة, إن ذكرته وأنت على وجه الأرض, ذكرك وأنت في بطن الأرض؛ وأنت في أمس الحاجة إلى الله, وأنت تحت الأرض.
لذلك في بعض الأدعية: ((اللهم استرنا فوق الأرض, وارحمنا تحت الأرض, ويوم العرض)) –أيضاً-.
وبعضهم قال: ((إذا وضع الميت في قبره, وانصرف عنه المشيِّعون من أهله, وتركوه وحيدا وفي لحده, يقول الله عز وجل: عبدي رجعوا وتركوك, وفي التراب دفنوك, ولو بقوا معك ما نفعوك, ولم يبق لك إلا أنا, وأنا الحي الذي لا أموت)).
-يعني- أحياناً: الموظف يُنحى مديره العام, هو قلق جداً, من الذي سيأتي بعده؟ لو أنه جاءته معلومة: فلان سيعين مكانه, يسعى لإقامة علاقات طيبة مع هذا الذي سيأتي, ضماناً للمستقبل, فنحن سنؤول إلى القبر جميعاً, وما في القبر إلا الله عز وجل.
فالبطولة: أن تقيم علاقة طيبة مع الله, الآن: حتى إذا كنا تحت الأرض رحمنا الله عز وجل, وقال بعضهم: ((اذكروني عند المعصية, أذكركم يوم القيامة عند رؤية النار)).
-يعني- المعاصي: متاحة لكل إنسان, إذا كان الذي يمنعك عن المعصية خوف الله عز وجل, إن ذكرت الله قلت: معاذ الله! إني أخاف الله رب العالمين, يذكرك الله يوم القيامة عند رؤية النار.
لو إنسان رأى –مثلاً- امرأة فاشتهاها, فقال: معاذ الله! إني أخاف الله رب العالمين, ذكره الله يوم القيامة عند رؤية النار, كلما أغرته معصية فقال: معاذ الله! إني أخاف الله رب العالمين, ذكره الله يوم القيامة عند رؤية النار.
-يعني- إذا إنسان كبرت سنه, وانحنى ظهره, وضعف بصره, وشاب شعره يقول الله له: ((عبدي استح مني, فأنا أستحي منك)).
-يعني- إذا ذكرت الله, ذكرك الله, إذا خفت من الله, أمنك الله, إذا رجوت الله, لباك الله عز وجل .
ورد في بعض الكتب: ((أن عبدي أنا لك, فأنت لمن؟ وأنا معك, فأنت مع من؟)).
قد تجد أحياناً: ((إني والإنس والجن في نبأ عظيم؛ أخلق, ويعبد غيري, وأرزق, ويشكر سواي)).
-يعني- ((أنا لك, فأنت لمن؟ وأنا معك, فأنت مع من؟)).
في معنى دقيق -أحياناً: ممكن أن تعبر عنه بلغة دارجة-: أنت لا يليق بك أن تكون لغير الله, وإذا كنت لغير الله فقد احتقرت نفسك, أنت المخلوق الأول, أنت لله؛ فإذا قدرت أن تكون لغير الله, أن تكون ملحق مع إنسان, من أتباع إنسان تعبده من دون الله, تعظمه من دون الله , فأنت قد احتقرت نفسك؛ لأنه قد تعرض عن شيء احتقاراً له, أما إذا أعرضت عن الله, فأنت احتقرت نفسك:
﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ﴾
[سورة البقرة الآية:130]
-يعني- إن تعرض عن بيت لا يعجبك احتقاراً له, إن تعرض عن عمل لا يكفيك دخله احتقاراً له, إن تعرض عن فتاة لا تروق لك, لم تعجبك أن تتزوج منها, ولكن إذا أعرضت عن الله, طبعاً في الحالات الأولى تحتقرها, أما إذا أعرضت عن الله, فأنت قد سفهت نفسك, احتقرتها؛ لأنك لله, أنت لله, فإذا كنت لعبد الله, فأنت من الخاسرين –نعم-.
-يعني- لا يليق بك أن تكون لغير الله, تجده حراً؛ إذا كنت لله فأنت حر, إذا كنت لله فأنت عزيز, وإذا كنت لله فأنت مطمئن, إذا كنت لله فأنت واثق من المستقبل, إما إذا كنت لعبد الله, عبد الله لو فرضنا غاب عن الساحة, انتهيت –أنت- معه؛ إذا ربطت مصيرك بإنسان, فأنت عبد لهذا الإنسان, أما إذا ربطت مصيرك بالواحد الديان, فأنت مع الله دائماً.
لذلك المؤمن: فوق الأحداث الطارئة, في إنسان يربط نفسه بحدث معين, بجماعة معينة؛ فهذا قيمته مرتبطة مع هذه الجماعة, أو مع هذا الشخص, أو مع هذا الحدث, ولا يليق بك أن تكون لغير الله, وحينما تكون لغير الله تحتقر نفسك, ولا تعرف قيمتها.
-يعني- معظم الناس مشركون شركاً خفياً, -يعني: هو- يعبد جهة من دون الله, يؤلهها, يخلص لها؛ يمحضها حبه, يمحضها جهده, يمحضها حنجرته, هو لها –نعم-.
((عبدي أنا لك, فأنت لمن؟ وأنا معك, فأنت مع من؟)).
وقيل: ((اذكروني بنسيان غيري, أذكركم, وأكشف الحجب عن وجهي, حتى ينتظروا بنوري إلى نوري)).
-يعني- اذكروني بنسيان غيري, الله عز وجل –يعني- هو المنحة التي إذا منحك شيئاً, المنحة التي لاتوصف, فإذا قبلت منحة إنسان, ونسيت الواحد الديان, فأنت مع الخاسرين.
كما قلت قبل قليل: (إذا أكثرت من ذكر الله, برئت من النفاق).
وسبحان الله! ذكر الله يجمع, وذكر الدنيا يفرق.
الآن: بجلسة –مثلاً- تحدثوا عن الدنيا؛ هذا تاجر, هذا صانع, هذا عنده معمل, تجد صار في حالة كآبة, لأن إنساناً ليس له هذا النشاط, أصبح خارج الاهتمام, أما إذا ذكرت الله, يجتمع الكل حولك, فإن ذكرت الدنيا تفرقوا عنك.
((ما جلس قوم في بيت من بيوت الله, يتدارسون كلام الله, إلا نزلت عليهم السكينة, وغشيتهم الرحمة, وذكرهم الله في من عنده –يعني-, وما جلس قوم في مجلس, لم يذكروا الله فيه, إلا قاموا عن أنتن من جيفة حمار)).
وعود نفسك أينما جلست, أن تذكر الله, تجد ارتقى المجلس, عمت الفرحة, تألقت الوجوه, وعود نفسك كلما سمعت شيئاً مهماً, حاول أن تحفظه؛ لأن الإنسان في النهاية ذاكرة.
-يعني- الذي بريد أن يتكلم؛ سمع تفسير آية, تفسير حديث, قصة أعجبته حفظها, أو كتبها, أو كتب ملخصها, أينما جلس, لو ذكر تفسير آية, ارتقى المجلس.
الآن: في آلاف اللقاءات, ملايين اللقاءات كلها على الدنيا, كلام فارغ؛ وغيبة, ونميمة, وتباهي وتفاخر......تجد الجلسة فيها مقت, ما فيها سرور, يخرجون –يعني- محطمين؛ هذا افتخر على هذا, وهذا استعلى على هذا, وهذا أظهر ما عنده من متاع الدنيا, فكسر قلوب الآخرين, يخرجون محطمين, أما إذا ذكروا الله, يخرجون جميعاً مجبورين.
يا أيها الأخوة, ذكر الله عز وجل من علامات الإيمان, وكلما عرفته, أكثرت من ذكره.
والله عز وجل قال:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً﴾
[سورة الأحزاب الآية:41]
﴿وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾
[سورة الأحزاب الآية:42]
﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً﴾
[سورة الأحزاب الآية:43]
﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ﴾
[سورة الأحزاب الآية:44]
وقلت لكم كما قال عليه الصلاة والسلام: ((بلِّغُوا عني ولو آية))
[أخرجه البخاري والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص]
-يعني- حاول أن تبلغ عن رسول الله شيئاً؛ ولو آية, ولو حديث, ولو حكم فقهي, بلغ, إذا بلغت حققت الدعوة, التي هي فرض عين على كل إنسان.
سيدنا زكريا:
﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً﴾
[سورة مريم الآية:3]
وبعضهم قال: ((أفضل الذكر: الخفي)).
الآن: إذا إنسان يمشي في الطريق وحده, في حوار ذاتي, هذا شيء معروف, لو ركب سيارة لحلب لوحده, -يعني- بباص عام, ماذا يفعل في الطريق لوحده؟ طول الطريق يحدث نفسه, قلت: يا ولد, لا أريد أن تذهب, لا, أذهب, حتى الخواطر حوار.
فإذا الإنسان, خواطره كانت ذكراً لله, ويكون مستواه عالياً جداً, حواره الداخلي إذا كان ذكر الله عز وجل؛ إذا رأى آية, قال: سبحان الله! إذا ذكر آية فقال: الحمد لله, أو إذا قال: سبحان الله! والحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر.
وإذا الإنسان -يعني- قرأ أذكار النبي -عليه الصلاة والسلام-, وحاول أن يقلده بها, الدعاء ذكر, وكل حركة من حركات الإنسان في دعاء.
على كل؛ ذكر الله أكبر ما في الصلاة, وذكر الله أكبر عبادة, وأوسع عبادة, وأشمل عبادة, لأنه يدور معك حيثما درت, أين ما تحركت؛ إذا أويت إلى فراشك في دعاء خاص قبل أن تنام, إذا استيقظت من فراشك في دعاء خاص, إن خرجت من البيت في دعاء خاص, إن دخلت في دعاء خاص, إن ارتديت ثياباً جديدة في دعاء خاص, إن جلست إلى الطعام في دعاء خاص, إن قمت عن الطعام في دعاء خاص, إن دخلت إلى بيت الخلاء في دعاء خاص, إن خرجت منه في دعاء خاص, الدعاء: اتصال مستمر, هذا هو ذكر الله.
-يعني- إنسان: أقدم على شيء, على عمل: (يا رب, أعني).
((إني تبرأت من حولي وقوتي, والتجأت إلى حولك وقوتك, يا ذا القوة المتين)).
أيها الأخوة, عليكم بذكر الله, فإنه شفاء.
والحمد لله رب العالمين .
[/size]

شكرا لك وبارك الله فيك و جعله في ميزان حسناتك